على الرغم من تزايد الظواهر
السلبية في مجتمعاتنا العربية نتيجة للانفتاح الثقافي والاجتماعي، إلا أن
ظاهرة الزواج العرفي تُعد من أخطر هذه الظواهر، ويرجع ذلك بالأساس إلى
السريّة والكتمان التي تتسم بهما هذه الظاهرة، بخلاف ظواهر أخرى مثل أطفال
الشوارع أو حتى تناول المخدرات. وجدير بالذكر أن ظاهرة الزواج العرفي لا
تنحصر فقط بين الطلاب أو المراهقين الأثرياء أو غير الأثرياء، كما يعتقد
البعض، بل تنتشر أيضًا في أوساط أخرى مثل المطلقات والأرامل والعوانس،
وكذلك بين رجال أعمال وسكرتيراتهم .. إلخ.
والشائع أن ظاهرة الزواج العرفي ترجع
لأسباب عديدة أشهرها الأسباب الاجتماعية، مثل: عدم القدرة على تحمل
التزامات وتكاليف الزواج الرسمي المُعلن بالنسبة للطلاب والشباب، وأيضًا
فرق المستوى الاجتماعي بين مدير يرغب بالزواج من سكرتيرته الخاصة، وكذلك
فارق السن بين سيدة في الخمسين وشاب في نصف عمرها.
إلا أن هناك أسباب أخرى قانونية تساهم
بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة في أوساط مختلفة عن تلك الأوساط الشائعة،
منها على سبيل المثال:
تقنين سن الزواج:
حيث أن تجريم القانون
لتوثيق عقد الزواج قبل السن القانونية وهي 18 سنة يؤدي بشكل مباشر إلى
لجوء الأهل كما في زواج القاصرات و خاصة في القرى والمناطق الفقيرة إلى
الزواج العرفي، و كذلك في بعض الحالات من الشباب في سن المراهقة وما يترتب عليه من آثار سلبية بالمجتمع – نعرض لها بالتفصيل في مقال آخر – .،
حيث تنص المادة رقم 31 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لعام 2008، على أنه
“لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية
كاملة، ويعاقب تأديبيًا كل من وثق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة”،
وذلك على الرغم من أن الشرع لم يحدد سن معيّنة
للزواج وجعل العبرة بسن البلوغ، وكذلك القانون المدني المصري وقانون
الأحوال الشخصية كانت تجيز الزواج للفتاة من سن 16 سنة وتم تعديلها فيما
بعد إلى 18 سنة لتتناسب مع قانون الطفل، الأمر الذي يثير المخاوف من رفع سن
توثيق الزواج إلى 18 سنة مما سيؤدي بلا شك إلى زيادة ظاهرة الزواج العرفي
بين من هم دون هذه السن .
حضانة المرأة المطلقة:
كما يمنح القانون الحق للمرأة المطلقة
“الحاضنة” في الاحتفاظ بمسكن الحضانة أو شقة الزوجية، وذلك في حالة عدم
زواجها من رجل آخر، لذلك تلجأ الكثير من النساء إلى الزواج العرفي والتحايل
على القانون كي تحتفظ بالمسكن من ناحية ولا تُسقِط حضانتها لأطفالها من
ناحية أخرى، وبذلك يكون القانون قد أوجد الملجأ والمهرب من الوقوع تحت
طائلته، لمجرد أن الزواج عرفي غير موثق.
احتفاظ الأرملة بالمعاش:
إضافة إلى ذلك، ترغب بعض النساء
“الأرامل” في استمرار حصولها على معاش الزوج المتوفي، وهذا لا يحدث إلا إذا
لم تتزوج بعد وفاة زوجها، لذلك في حالة رغبة المرأة في الزواج مرة أخرى
بعد وفاة زوجها مع الاحتفاظ بمعاشه، فالحل يكمن في الزواج العرفي، وذلك
ببساطة لأنها في نظر الدولة تعد غير متزوجة.
الزوجة الأولى والطلاق للضرر:
وأخيرًا، يخشى بعض الرجال المقدمين على
الزواج مرة أخرى من أن تحصُل الزوجة الأولى على حكم طلاق “للضرر” بسبب
زواجهم من أخرى، حيث أن القانون قد منح الزوجة الأولى حق الطلاق إذا تزوج
عليها زوجها مرة أخرى، وألزم المأذون بإبلاغ الزوجة الأولى بزواج زوجها،
لذلك يظل الزواج العرفي هو المفر، حيث لا تتمكن الزوجة الأولى من العلم به،
وإن علمت لا تستطيع أن تطلب الطلاق للضرر، وفقًا للقانون، لأنها ببساطة لا
تستطيع أن تحتج بالزواج العرفي.
الحل والعلاج:
ونلاحظ مما تقدم أن التفرقة بين الزواج
الموثق و الزواج غير الموثق “العرفي”، قد أصبح بابًا خلفيًا يدخل منه كل
من لا يريد الوقوع تحت طائلة قانون الأحوال الشخصية، بل وقوانين أخرى
كثيرة، لذلك نرى ضرورة إعادة النظر في هذه القوانين التي تسهم بشكل مباشر
وخطير للغاية في انتشار وتزايد ظاهرة الزواج العرفي بين الأعمار المختلفة
والمستويات الاجتماعية والثقافية المختلفة، ونرى أنه لا حل قانوني لهذه
الظاهرة سوى التجريم والعقاب لما ينطوي عليه من تحايل على القانون والتعدي
على حقوق الغير حيث لم يعد الأمر مجرد رغبة اثنين في الزواج سرًا.
والدين يرحب بأي قانون يقضي على فوضى
الزواج العرفي بالشكل الذي يتطابق مع الشرع وحرمة الميثاق الغليظ، فالزواج
العرفي اليوم ليس إلا “زنا مقنع” يفتقد الشروط الشرعية للزواج التي يقرها
الإسلام، لأنه زواج سري دون مؤهلات من حيث القدرة واحترام مفهوم الزواج،
وغالباً ما يكون خلسة بين صغار السن لا فيه إشهار ولا موافقة الولي، فهو
زنا مقنع تحت مصطلح زواج عرفي، وشتان بين عُرف الأجداد والمناطق البدوية
التي لا يتم فيها توثيق الزواج وما يحدث الآن بين الشباب في الجامعات من
علاقات لا يمكن أن يقبلها الدين تحت أي مسمى عصري. لذلك نتمنى تفعيل مشروع
قانون لتجريم هذه الظاهرة بشكل حاسم لعله يقضي على هذه الفوضى بين
المراهقين وصغار السن، وهو ما يتفق تماماً مع هدف الشريعة الإسلامية في
احترام مفهوم الزواج الذي أقره الدين ووضع ضوابطه وشروطه.
ولا يمنع ذلك من التركيز أيضًا على
الوعي الثقافي والمجتمعي، حيث ينبغي العمل على توعية المواطنين من الشباب
وغيرهم بخطورة هذه الظاهرة وآثارها السلبية التي من شأنها تدمير أواصل هذه
الأمة وتخريج أجيال ممن لا يعرفون لهم أبًا أو أمًا، فهذا النوع من الزواج
لا يحقق مقاصده الاجتماعية والإنسانية من تحقيق تآلف بين أسرتين يتحقق فيه
قول الله تعالى “وهو الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها”، كما
أنه ليس فيه نفقة ملزمة ولا كسوة ولا سكن ولا رحمة لأن كل منهما يحرص على
كتمان الأمر وإخفاء الزواج، وعليه يتملكهما دائمًا الشعور بالإثم والخوف من
المستقبل والقلق والاضطراب، وهو ما يدفع أبوابًا للفساد لا نهاية لها
وعواقبه الحسرة والندامة، لما ينجم عنه من مشكلات في إثبات النسب والإجهاض
وضياع حقوق الزوجة وغيرها من الأضرار التي ننصح بالابتعاد عنها وعدم
الانصياع لهذه الظاهرة المحكوم عليها بالفشل والسقوط في الضياع والتمزق
والهلاك، فلا شك أن العقلاء من الناس هم الذين يسلكون في كل شئونهم –
ولاسيما الزواج – الطريق السليم الذي دعت إليه القوانين المعمول بها والتي
تؤيدها شريعة الإسلام.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق