هل تعلم صديقي المواطن أننا نعيش في ظل قانون للأحوال الشخصية صدر عام
1920م !! أي ما يقرب من قرن من الزمان !! ورغم ما تم إدخاله من تعديلات على
هذا القانون منذ عام 1985م وحتى عام 2005م، والتي تجاوزت الـ20 تعديل، كان
أبرزها رفع سن حضانة الأم للأبناء إلى 15 عام بدلاً من 10 أعوام.
وقد ثار الجدل مؤخرًا حول هذا القانون بعد أن تقدمت النائبة سهير الحادي
– عضو مجلس النواب المصري عن تحالف دعم مصر – بمقترح لتعديل قانون الحضانة
موقّع عليه من 60 عضو بالمجلس، الأمر الذي ترتب عليه غضب كثير من الأمهات
واستنكار الحقوقيون والعاملون بالمجتمع المدني ومنظمات حقوق المرأة.
الرؤية والاستضافة ..
حيث جاء النص المقترح بأن يتم تعديل المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية
والمتعلقة برؤية الطرف غير الحاضن لأبنائه وتحويلها إلى “استضافة”،
فالقانون الحالي ينص على حق الطرف غير الحاضن في استضافة الطفل ثلاث ساعات
فقط أسبوعياً، فيما ينص مشروع قانون الحضانة الجديد على حق الطرف غير
الحاضن في استضافة الطفل من يوم إلى يومين كل أسبوع بالإضافة إلى نصف فترة
الإجازات خلال الأعياد، وأيضاً فترة أسبوع من إجازة نصف العام الدراسي وشهر
كامل من إجازة آخر العام الدراسي.
وهنا نجد أن حق استضافة الطرف غير الحاضن للطفل يومين فى الأسبوع، يعني
حرمان الطفل من الحياة المستقرة التى يرغب أن يعيشها وسط غرفته المحددة
وأدواته ولعبه وبيئته التى يفضلها وينعم بنوم هنيء وسطها، ولكن انتقال
الطفل كل أسبوع إلى حياه أخرى وظروف مختلفه أمر يؤدي حتمًا إلى الشعور بعدم
الاستقرار الذي يترتب عليه في النهاية الكثير من الآثار السلبية.
أيضًا طول مدة الاستضافة في الأجازات التي قد تصل إلى شهر في أجازة
نهاية العام، من الأمور التي تُشعِر بعدم الاستقرار، إضافة إلى احتمال عدم
ملاءمة مسكن الطرف غير الحاضن الذي قد لا يوجد به متسعًا لهذا الطفل الذي
يأتي إليه فقط لفترة استثنائية، كما قد تؤثر طول تلك الفترة على علاقة
الطفل بالطرف الحاضن بعد الفترة التي سيقضيها مع الطرف الآخر في ظروف و
طريقة معاملة مختلفة.
الحضـانة .. لمن؟!
كما تضمن النص المقترح تعديلاً بذات المادة (20) من قانون الأحوال
الشخصية بشأن ما يتعلق بالحق في حضانة الطفل، حيث ينص التعديل المقترح على
ضرورة سحب الحضانة عن الأم في حال زواجها ونقلها إلى الأب بعد أن يلتزم
بتوفير من يقوم على رعاية الإبن سواء كانت زوجته أو أي امرأة من العائلة؛
في حين ينص القانون المعمول به حاليًا على أن يتم تخيير الأطفال بعد وصولهم
لسن الخامسة عشر بين الاستمرار في حضانة الأم أو انتقال الحضانة إلى الأب
“دون التطرق لمسألة زواج الأم بعد الطلاق من عدمه”.
ونلاحظ هنا أن انتقال الحضانة من الأم إلى الأب فور زواجها بعد الطلاق
ويكون الأب المتحكم فى الطفل وهو من يختار من يربى الطفل، هو خطأ كارثي،
حيث قد ينتج عنه اختيار الأب لزوجة غير مناسبة لتربية الطفل أو يختار
والدته التي قد تكون سيدة كبيرة لا تستطيع القيام بالدور المطلوب، مما يؤدى
إلى شعور الطفل بالحرمان العاطفي، الذي قد يتحول به إلى العدوانية أو
الانطوائية، حيث لا يأخذ هذا القانون فى اعتباره أن الطفل يكون أكثر
ارتباطًا بالأم بحكم قيامها بكل الأدوار الرئيسية في جميع مراحل حياته.
كما أن هذا النص قد يضطر المرأة إلى أن تظل بدون زواج حفاظًا على حضانة
أولادها، وهو بذلك يكون قد حرمها من أحد حقوقها الشرعية، كما قد تلجأ نساء
أخريات إلى الزواج العرفي غير الموثق كي لا تُسقِط حضانتها لأطفالها، وبذلك
نظل ندور في نفس الحلقة المفرغة من التحايل على القانون وفتح الباب أمام
الثغرات والتلاعب بالقوانين.
وبناءً عليه ..
إذا نظرنا للواقع نجد أن غالبية الرجال يتزوجون مرة أخرى بعد الطلاق
بينما المرأة تفضل أن ترعى أولادها، وتكمن المشكلة في أن بعض الآباء يحصلون
على أحكام خاصة بالرؤية ولكنهم فعلياً يمتنعون عن رؤية أبنائهم بعد صدور
الحكم في الأماكن التي حددها القانون وتضطر الأم لاصطحاب الطفل كل مرة
خوفًا من إسقاط حضانتها بسبب تخلفها عن التنفيذ، في حين أن الطرف الآخر هو
الذي يتخلف عن التنفيذ، ويستغلون ذلك فقط لابتزاز المرأة الحاضنة والانتقام
منها، حيث لم ينص القانون على جزاء لمن يتخلف عن الرؤية، فلابد أن يكون
هناك عقاب تجاه هذا الأمر، وهو ما كان يجب أن تركز عليه التعديلات الجديدة.
لذلك نرى أن قانون الأحوال الشخصية الحالي الذي وصل إلى مرحلة الترقيع
وليس التعديل أكثر من 20 مرة على مدار 100 عام لم يعد يحتمل تلك الثغرات
مجددًا، بل إن المجتمع يحتاج إلى قانون جديد يخرج من رحم المشاكل التي
تعاني منها الأمهات والآباء ومن قضايا الرؤية والحضانة والنفقة وغيرها،
ليخرج قانون من قلب الواقع يقوم على فلسفة واضحة، تحمي الأسرة، وتراعي
المصلحة الفضلى للطفل ولا ينحاز لطرف دون الآخر، فقانون الأحوال الشخصية
أحد أهم القوانين الاجتماعية التي تحتاج إلى فلسفة تقوم على وحدة واحدة
وليس تعديل أجزاء منفصلة تفتح الباب مجددًا لمزيد من العيوب والثغرات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق