الجمعة، 10 فبراير 2017

قانون جديد .. للإيجار القديم !!

.. في محاولة لتحقيق العدل بين جميع الأطراف، يحاول مجلس النواب المصري في الفترة الحالية إعادة التوازن للعلاقة بين المالك والمستأجر من خلال مشروع قانون جديد للإيجار بصدد مناقشته، ذلك أن كثير منّا يرى أن القانون الحالي للإيجار لا يحقق العدالة المطلوبة، ويرسخ لعلاقة ظالمة تعود بالنفع على المستأجر على حساب المالك، فيجعل أصحاب المِلك مجرد ملاّك وهميين على الورق فقط.


قوانين كثيرة وتعديلات أكثر !!

بدايةً، مرّت العلاقة الإيجارية في مصر بالعديد من التطورات بدءًا من القانون رقم 121 لسنة 1947 نهايةً بالقانون رقم 14 لسنة 2001 ومرورًا بالعديد والعديد من القوانين والتعديلات خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي والتي لا داعي لهدر الوقت في سردها.


وقد فشلت جميع الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الماضية في حل هذه الإشكالية، حيث يبيح القانون القديم للمستأجر أن يتخذ شقة المالك سكنًا له طوال فترة حياته، نظير قيمة مالية زهيدة لا تزيد عن بضعة جنيهات شهريًا، وتظل هذه القيمة ثابتة، لا تتغير بتغير الزمن !! والأغرب من ذلك أن هذا القانون البالي يعطي الحق للمستأجر في أن يورّث الشقة لأبنائه، مقابل نفس القيمة المالية، ولا يستطيع المالك أن يستعيد ملكه أو يقوم ببيعه !!


مأساة المُلاّك المؤجرين ..

يعاني كثير من ملاك الوحدات السكنية والمحلات التجارية من هذه المشكلة في جميع المناطق والمحافظات سواء العاصمة أو الأقاليم، فعلى سبيل المثال، نجد شقة في أرقي مناطق القاهرة مثل مصر الجديدة أو جاردن سيتي أو الزمالك وتوجد في مبني تراثي فخم وتزيد مساحتها عن 200 متر وتطل على النيل مباشرةً ويبلغ إيجارها الشهري 10 جنيهات !! ليس هذا فقط بل شاملة غرفة للخدم وجراج للسيارة التي قد تتجاوز قيمتها المليون جنيه في مثل هذه المناطق !! إضافة إلى الشقق المغلقة التي يتركها مستأجروها وينتقلون للسكن في فيلات بالمناطق الجديدة ولا يحركهم أي وازع من ضمير أو رحمة لهؤلاء الملاك الذين يذوقون مرارة الظلم كل يوم.


ونجد وراء هذه الكارثة القانونية العديد من الحالات الإنسانية التي يجب أن توضع بعين الاعتبار من قِبل الحكومة ومجلس النواب، فهناك السيدة الوريثة المسِنّة التي ليس لها دخل سوى هذه الجنيهات الضئيلة، وأيضًا المالك الذي لديه أبناء مقبلون على الزواج ويبحث لهم عن شقة إيجار جديد لا تقل عن 2000 جنيه شهريًا، وكذلك أصحاب المحلات التجارية التي يربح مستأجروها من ورائها آلاف بل ملايين الجنيهات وفي نهاية كل شهر يدفعون إيجار 20 جنيهًا !!


 


معاناة المستأجرون .. وجهة نظر أخرى ..

من ناحية أخرى، نجد المستأجرون يدافعون عن موقفهم بحجة أن العقد شريعة المتعاقدين !! فهم لم يجوروا على حقوق الملاك حيث يقيمون في سكنهم بموجب عقود رسمية وقد كيّفوا حياتهم على هذا الوضع وليس ذنبهم أن أسعار العقارات ارتفعت بشكل فاحش خلال السنوات الماضية، ويرى البعض أن عقود الإيجارات القديمة ليست كلها تفتقد للعدالة، فبعضها تم توقيعه منذ عقود وكانت القيمة الإيجارية مرتفعة بأسعار ذلك الوقت، كما كانت أسعار البناء متدنية، وأن ما دفعه المستأجر على مدى عشر سنوات منذ توقيعه العقد يعادل ثمن الشقة في وقتها لكن نظام التمليك لم يكن قد ظهر بعد.


وهناك نوع آخر من المستأجرين في السبعينيات وما بعدها قد دفعوا مبالغ  كبيرة للمُلاّك على سبيل “الخلو” أو مقدم الإيجار، وكانت هذه المبالغ تعادل نصف قيمة الشقة، لدرجة أنهم واجهوا صعوبات بالغة في تدبيرها، ورغم ذلك يواصلون سداد الإيجار المتفق عليه، وبالتالي سيضيع حقهم دون تعويض، فلم يكن أحد يتوقع ارتفاع أسعار العقارات إلي هذا الحد.


أما النوع الأصعب هم المستأجرون من محدودي الدخل الذين يسكنون بشقق صغيرة لا تتعدى مساحتها 60 متر وتوجد في مناطق نائية ويتخوفون من صدور هذا القانون وقلقون على مصيرهم الذي سينتهي بهم إلى الشارع، حيث أنه ليس لديهم أموالاً توفر لهم شقة جديدة أو إيجار جديد، ويطالبون بمراعاة المستأجرين من محدودي الدخل لأنهم يمثلون الأغلبية المطحونة في هذا الشعب ومن الظلم محاباة الملاك الأثرياء – من وجهة نظرهم – على حسابهم، حيث يرون أن هذا القانون سيظلم ويشرد أسر كثيرة ولن يفرق بين غني وفقير.


وبناءً عليه ..

الأمر بالفعل محيّر، ولابد من الوصول إلي صيغة توافقية بين الملاك والمستأجرين ترضي الطرفين وتحقق قدرًا من العدالة بينهما، ونأمل أن يكون الحل في مشروع القانون المعروض على مجلس النواب حاليًا، والذي من أهم ملامحه:


أولاً: بالنسبة للمباني الحكومية المستأجرة من جانب الحكومة من مواطنين: سيتم إعطاؤها فترة سماح عامًا واحدًا، وبعدها تتم احتساب القيمة الإيجارية وفق القيمة السوقية للعقار، وبعد 5 سنوات يصبح من حق المالك أن يسترد أملاكه.


ثانيًا: بالنسبة للمحلات التجارية: سيتم إعطاؤهم فترة سماح عامًا واحدًا، وبعدها سيتم تحديد القيمة السوقية بالتدريج لمدة 5 سنوات بحيث يدفع في السنة الخامسة قيمة الإيجار وفقًا لأسعار السوق.


ثالثًا: بالنسبة للوحدات السكنية: فسيتم تحديد نسب مئوية لزيادة القيمة الإيجارية تبدأ من 330% للعقود ما قبل عام 1952 ثم تبدأ في التدرج حتى تصل الزيادة إلى نسبة 7% للعقود التي أبرمت خلال الفترة من 1992 حتى 1996. أما بالنسبة للشقق المغلقة سيتم حصرها جميعًا، وإذا وجدت وحدة سكنية مغلقة لمدة تزيد على 3 سنوات، ويتم إثبات ذلك بإيصالات الكهرباء والمياه والغاز، يصبح من حق مالكها أن يستردها.


كما أنه من المتوقع أن يتضمن مشروع القانون الجديد صياغة جديدة لعقد الإيجار تتضمن حد أقصى لمدة الإيجار وقيمة إيجارية تناسب قيمة الوحدة السكنية بالمنطقة المتواجدة فيها، وكذلك إقامة صندوق خاص لدعم الفقراء وأصحاب المعاش ومحدودي الدخل من قاطني الشقق والوحدات السكنية وذلك في صورة دعم نقدي من حصيلة الضريبة العقارية المتوقع زيادتها بعد إقرار القانون الجديد.


وختامًا ..

لا شك أن قانون الإيجارات القديمة من القوانين التي عفا عليها الزمن ويحتاج إلي تعديل لتحقيق نوع من العدالة وإعادة التوازن بين المالك والمستأجر، إضافة إلى أن ذلك يصب في مصلحة المجتمع اقتصاديًا، نظرًا لاستئجار وحدات بقيمة ضئيلة للغاية لا تتناسب مع القيمة الحالية للظروف الاقتصادية، الأمر يتطلب ببساطة تحريك القيمة الإيجارية بشكل مناسب وفقًا لعمر العقار، أما بالنسبة لتوريث العقد فيمكن حَسمُه بأن ينتقل العقد للزوجة حتى نهاية عمرها والأبناء حتى يتزوجوا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق